علاقة الذكاء الاصطناعي بمستقبل الوظائف تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم مع تنامي اعتماده في تفاصيل حياتنا اليومية؛ فالتقنيات الذكية والأنظمة المؤتمتة لم تعد محصورة في الابتكارات المستقبلية، بل أصبحت وسيلة فعالة لحل التعقيدات اليومية وتبسيط المهام، وهذا التحول السريع غير ملامح سوق العمل العالمي وفرض واقع جديد يمتد أثره إلى الجوانب الاقتصادية والقانونية والتنظيمية في مختلف المجالات.
الذكاء الاصطناعي: ثورة في عالم العمل
علاقة الذكاء الاصطناعي بمستقبل الوظائف باتت تثير الكثير من الجدل، خاصةً مع الأرقام المتزايدة التي تكشف عن تأثيره على سوق العمل العالمي، ففي تقرير لبنك الاستثمار جولدمان ساكس يتوقع أن تؤدي تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى استبدال نحو 300 مليون وظيفة بدوام كامل.
وتدعم مجلة فوربس هذا الاتجاه مشيرة إلى أن دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالتعاون مع جامعة بوسطن تتوقع أن يفقد ما يصل إلى مليوني موظف في قطاع التصنيع وظائفهم بحلول عام 2025، كما تشير أبحاث معهد ماكينزي العالمي إلى أن نحو 14% من العاملين حول العالم قد يضطرون لإعادة توجيه مسارهم المهني بحلول عام 2030 نتيجة التحول المتسارع نحو الأتمتة والرقمنة والتقنيات الذكية.
الوظائف في خطر: ما التي سيحل محلها الذكاء الاصطناعي؟
علاقة الذكاء الاصطناعي بمستقبل الوظائف تظهر بوضوح من خلال تبنيه المتزايد في العديد من المجالات والمهام اليومية، حيث ساهم في تحسين الكفاءة وتقليل الاعتماد على العنصر البشري في عدد كبير من الوظائف، والتي من بينها:
- خدمة العملاء
يستخدم الذكاء الاصطناعي للرد التلقائي على الأسئلة المتكررة، مما يسهم في تسريع التعامل مع استفسارات العملاء وتخفيف العبء على فرق الدعم البشري.
- الاستقبال
أصبحت الروبوتات جزءًا من أنظمة الاستقبال في العديد من الشركات حول العالم، حيث تستقبل الزوار، تتحدث معهم، وتدير المكالمات الصوتية باستخدام تقنيات ذكية.
- المحاسبة
تعتمد كثير من الشركات على أنظمة محاسبية قائمة على الذكاء الاصطناعي، توفر أداءً عالي الدقة، وسهولة في تخزين وتحليل البيانات، مع تقليل التكاليف وتعزيز الأمان.
- مندوبي المبيعات
تراجعت الحاجة إلى مندوبي المبيعات التقليديين، مع التحول نحو الإعلان الرقمي عبر الويب ومنصات التواصل الاجتماعي التي تقدم محتوى مخصص للجمهور المستهدف.
- البحث والتحليل
أصبح الذكاء الاصطناعي أداة رئيسية في تحليل البيانات، حيث تقوم الخوارزميات الذكية بفرز المعلومات واستنتاج النتائج دون تدخل بشري، ما يقلل من الحاجة للمحللين.
- إدارة المخازن والمستودعات
ساهمت الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة عمليات التخزين والشحن، من خلال أنظمة تحدد مواقع الطرود وتوجه الموظفين، وقد يصل الأمر مستقبلاً إلى تحميل الطلبات بشكل آلي بالكامل.
مهارات المستقبل: ما الذي يجب عليك تعلمه للبقاء في سوق العمل؟
تتجلى علاقة الذكاء الاصطناعي بمستقبل الوظائف في التأثيرات الإيجابية المتزايدة التي يتركها على سوق العمل، حيث ساهم اعتماده في خلق طلب كبير ومتنامٍ على المتخصصين في المجالات المرتبطة بهذه التقنية.
تشمل هذه المجالات محللي البيانات، وخريجي تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بالإضافة إلى أصحاب مهارات تكنولوجيا المعلومات الذين باتت أدوارهم محورية في ملء وظائف الذكاء الاصطناعي داخل مختلف الصناعات، والمساهمة في إعادة تشكيل هيكل القوى العاملة وأساليب العمل التقليدية.
وفي هذا السياق يطلب من قادة الأعمال وأصحاب الشركات أن يدركوا عمق تأثير الذكاء الاصطناعي على فرق العمل لديهم، وأن يواكبوا هذا التغير من خلال اتخاذ إجراءات عملية مثل إعادة تأهيل وتدريب الأفراد لشغل المناصب الجديدة التي ستنشأ نتيجة توسع استخدام الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تطوير مهارات بعض الموظفين الحاليين لتمكينهم من أداء مهامهم باستخدام هذه التكنولوجيا.
وبذلك فإن التشغيل الآلي القائم على الذكاء الاصطناعي لا يعد خطرًا على الأفراد أو المؤسسات أو حتى الدول التي تملك الكفاءات المناسبة، بل قد يتحول إلى أداة قوية لدعم النمو والتطور المهني، ومن هنا تتضح مجددًا علاقة الذكاء الاصطناعي بمستقبل الوظائف كعامل رئيسي لإعادة تشكيل بيئة العمل عالمياً.