عمرة القضاء تعد من أهم الشعائر الإسلامية التي جسدت معاني الصبر والثبات، فهي رحلة إيمانية تحمل في طياتها دروس عظيمة في الوفاء بالعهد والتمسك بالحق، عندما نتأمل أحداث عمرة القضاء نجد فيها صورة مشرقة من تاريخ الأمة، حيث كان الهدف الأسمى إعلاء كلمة الله وإتمام العبادة رغم العقبات.
العمرة
تعرف العمرة في اللغة بأنها الزيارة، أما في الاصطلاح الشرعي فهي القيام بزيارة بيت الله الحرام على هيئة مخصوصة، وتشمل الإحرام والتلبية والطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، ثم حلق الرأس أو تقصيره.
وقد اختلف الفقهاء في حكم العمرة فذهب فريق منهم ومنهم الإمام أبو حنيفة والإمام مالك وابن تيمية وجمهور من العلماء إلى أنها سنة وليست واجبة مستندين إلى أن الأصل عدم الوجوب إلا بدليل صريح، ولا يوجد نص قطعي يفرضها بالإضافة إلى ما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سأل النبي ﷺ: “العُمرةُ واجِبةٌ فريضتُها كفريضةِ الحجِ؟” فقال: “لا، وأن تعتمِرَ خيرٌ لَكَ”، كما استدلوا أيضًا بعدم ذكر العمرة مع الحج في حديث النبي ﷺ: “بُنِي الإسلامُ على خمس…”.
في المقابل يرى فريق آخر ومنهم الإمام أحمد والشافعي وبعض أهل الحديث أن العمرة واجبة على كل مسلم مستشهدين بقول الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، وتجدر الإشارة إلى أن أداء العمرة يمكن أن يتم في أي وقت من العام ما عدا أيام الحج.
إلا أن بعض العلماء استحبوا أداءها في رمضان لفضلها العظيم مستدلين بقول النبي ﷺ لأم سنان الأنصارية حين فاتتها الحج معه: “فإنَّ عمرةً في رمضانَ تَقْضي حجةً معي”، ويذكر أن عمرة القضاء كانت من أبرز الأحداث التاريخية التي جسدت معاني الصبر والعزيمة، كما أن كثير من المسلمين يحرصون على الاقتداء بها عند أدائهم مناسك العمرة، نظرًا لما تحمله من دلالات روحية وتاريخية عظيمة.
تابع ايضا:
عمرة القضاء
عمرة القضاء هي العمرة التي قام بها النبي محمد ﷺ مع أصحابه رضي الله عنهم في السنة السابعة للهجرة تنفيذًا لما تم الاتفاق عليه مع قريش في صلح الحديبية، فقد اشترط الرسول ﷺ في بنود الصلح أن يسمح للمسلمين بزيارة البيت الحرام والطواف به،على أن يتم ذلك في العام التالي للاتفاق.
وعندما حان الموعد خرج النبي ﷺ ومعه ألفان من الصحابة مجهزين بالسلاح تحسبًا لأي خيانة محتملة من قريش، وهو ما علمت به قريش عبر عيونها فدب القلق بينهم، ثم أرسلوا مكرز بن حفص على رأس وفد للقاء النبي ﷺ وقالوا له: “يا محمد، والله ما عرفناك صغيرًا ولا كبيرًا بالغدر، أتدخل الحرم بالسلاح وقد عاهدتنا على دخول السيوف في أغمادها فقط؟”، فأكد لهم النبي ﷺ أنه سيلتزم بما وعد به.
عندما وصل الوفد إلى مكة طمأن قريش التي كانت في حالة ضعف تمنعها من مواجهة المسلمين، وقبل دخول مكة ترك الرسول ﷺ السلاح خارجها، وكلف محمد بن مسلمة ومعه مئتا فارس بحراسته، ثم دخل ومعه أصحابه حاملين سيوفهم في أغمادها كما اتفقوا.
أما كفار قريش فابتعدوا إلى الجبال المحيطة تاركين مكة للمسلمين لثلاثة أيام كما نصت المعاهدة، وخلال هذه الأيام أدى المسلمون المناسك وطافوا بالكعبة بقلوب فرحة، كما تزوج النبي ﷺ من ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها أخت أم الفضل زوجة العباس وخالة خالد بن الوليد، في خطوة ذات بعد سياسي لتأليف قلب خالد الذي كان من أبرز قادة قريش، وبالفعل أسلم خالد بعد أشهر قليلة من عمرة القضاء، وكان إسلامه نصرًا كبيرًا للمسلمين.
عند انتهاء المدة المتفق عليها جاء حويطب بن عبد العزى وسهيل بن عمرو يطلبان من النبي ﷺ مغادرة مكة فورًا وقالا بلهجة حادة: “قد انقضى أجلك، فاخرج عنا”، وبرغم جفائهم رد عليهم النبي ﷺ برقي وأدب مقترحًا أن يبقى قليلاً ويقيم وليمة لهم لكنهم رفضوا فاحترم الرسول ﷺ المعاهدة، وخرج من مكة رغم قوة المسلمين وضعف المشركين وعاد إلى المدينة المنورة.
تفاصيل تنظيم الرحلة:
-
النبي ﷺ اختار أن يسلك طريقًا مختلفًا عن المرة السابقة لتجنب أي احتكاك محتمل مع بعض القبائل المعادية، وأرسل رسائل لبعض القبائل على الطريق لضمان المرور الآمن.
-
تم تقسيم الصحابة إلى مجموعات منظمة، كل مجموعة معها قائد مسؤول عن الانضباط في المناسك والتنقل.
